جريدة الصباح العربي ترحب بالزوار ... أنتم الآن في بيت المدّونين ... هنا الجروب الرسمي للجريدة على الفيس بوك .... لو عاوز تنشر معانا كل اللى عليك تبعت قصتك أو المقالة بتاعتك في رسالة على الميل أنتظرونا قريباً بالأسواق
الاثنين، 1 يونيو 2009

مسابقة القصة القصيرة  

فيرس c

قصة قصيرة
رحاب شكري

تراقصت أحلامه على أنغام شرقية، وامتلأت حياته بأطياف وردية؛ بمجرد أن فتح هذا الظرف وقرأ ما بداخله.. تلعثم قليلا في قرأته وأعادها مرة، واثنان وثلاث؛ حتى تأكد مما قرأه وتيقن إنه واقع وليس بحلم!!.

ترك الورشة دون إذن صاحبها، فلم يعد يخاف تعنيفه أو أن يقطع عيشه!، وأسرع لبيته كريشة تحملها نسمات السعادة ويداعبها بصيص الأمل، صعد سلم البيت وبلمح البصر حلق حتى وصل لسطوح العمارة حيث تقع الغرفتان، وتجلس زوجته تغسل ملابسه المتسخة بشحم وزيوت السيارات.

نظرت له بعجب، وقامت ومسحت يدها من فقاعات المسحوق بعباءتها البالية، وقالت له: - ما بك يا رجل؟؟ ماذا أتى بك هذه الساعة؟؟ ابتسم لها وهو يرفرف بالظرف أمام عيونها ويرقص كأنه مختل أو درويش من دراويش السيدة قائلا: - لقد وصلت التأشيرة، اليوم انتهى عصر السلف والدين، وولت ليال الجوع والحرمان، سلام للجنيه ومرحبا بالريال!!.

كانت تنصت له بشغف، وستار اليأس يرفع شيئا فشيء حتى أُزيح تماما، كادت أن تطير من فرحتها، وحاولت أن تتمالك نفسها حتى لا تبكي؛ فيتشاجر معها ويتهمها بالنكد وإدمان الحزن ككل يوم!، ولكن مفتاح الأمل السحري كما فتح أبواب السعادة المغلقة منذ زمن، فتح أقفال جفونها لتبكي.. وتبكي.. وتبكي!!

ولكنه لم يتشاجر معها بل بكى هو الآخر، دمع بمذاق جديد، بنكهة الفرح!!، ذاك الضيف العزيز الذي طال انتظاره من أمد طويل!!، لم تنبس ببنت شفاه وكأن هذا المفتاح السحري كما فتح الأبواب والأقفال أغلق أغلال لسانها وكبله!.

لحظات وسمعا صوتا على السلم ينادي بفرح: - أسطى سيد!!.. يا أسطى سيد!! إذ به رفيق درب الشقاء والفقر الأسطى فتحي، قفز له سيد فرحا، وتطير الفرحة بين عيونه كفراشة بين أزهار الربيع!، فوجد صديقه يمسك بذات الظرف مثله!!، ويرقص على السلم ويقول له بصوت يفيض بالأمل والسعادة: - لقد وصلت التأشيرة، واتصل ابن عمي وأوصاني أن نسرع بإنهاء الفحوصات الطبية وتجهيزات السفر، فالشيخ أبو نواف سيرسل لنا التذاكر بمجرد أن ننهي تلك الأمور! - حقا ما تقوله؟!، لم يعد سوى أيام ونحلق بسماء الريالات؟! للآن أشعر وكأني أحلم!، هل ستضحك لنا الدنيا أم تضحك علينا وتعبث بأحلامنا؟! - آه، استمر مع نفسك!!، واضح أن النكد هواية بهذا المنزل!!، سأمر عليك غدا الساعة السابعة صباحا لنبدأ بالفحوصات وتجهيزات السفر.

قالها وهو ينزل على السلم ملوحا بيده، لقد هرب قبل أن يقتل فرحته تشاؤم صاحبه، أو يعكر نشوة الحلم المستحيل الذي تحقق بغبار الخوف من غدر الدنيا!.

مرت الأيام سريعة، ولم يبقى سوى نتيجة الكشف الطبي حتى يرسل الشيخ أبو نواف تذاكر السفر؛ ذهبا سيد وفتحي ليستلما النتيجة.. ولكن!!.. خيم الصمت، وتلاشت الأطياف، عندما علم سيد أنه حامل لفيروس C!!.

كُبلت الأقدام بعدما كانت تسابق الريح، ووئدت الأحلام التي أنجبها الأمل، دراجة ابنه رضا الصغيرة، أسوار زوجته، ثلاجة والدته وحتى دمية ابنته صابرين!!.. كل شيء ضاع وماتت كل الفرص لحياة أفضل.. بهذه النتيجة القاتلة!.

كان راضيا بحياته وظلامها، واعتاد السير ضريرا بين الناس!!.. ولكن ما أصعب العمى بعد البصر!!، وما أصعب ضياع الحلم وموت الأمل!!، أخفى بداخله حزنه وأخرس قلبه حتى لا ينوح أمام صديقه فيعكر فرحته بإتمام إجراءات سفره.. ولم يعبئ فتحي بحال سيد ولم ينتبه حتى لمواساته، وهل يتذكر من علق بطوق النجاة من سقط وغرق؟!!.

أطفئت الأنوار من جديد بمنزل الأسطى سيد، وكأن الفرح لم يرق له ضيافة تلك الأسرة البائسة!!.. عندما سمعت زوجته الخبر قالت بألم: - منذ متى أعطت الدنيا سائل؟؟! الحزين حزين يا رجل!. وراحت تتمتم بكلمات لم يسمعها، وتنوح وتنتحب؛ تارة تلعن ذاك الحظ التعيس، وتارة أخرى تلعن هذا المرض اللعين.

حتى جاء يوم سفر فتحي للسعودية، وقرر سيد أن يوصل صاحبه للمطار ويودعه، فلم تفرقهما كل عقابات الحياة ولكن فيروس C استطع تفريقهما!!، استوقفا تاكسيا وانطلاقا قدما باتجاه المطار.

مرت ثلاث ليالي كاملة ولم يعود سيد لمنزله!!، بحثت عنه زوجته هنا وهناك، بكل المستشفيات وأقسام البوليس، وعند كل المعارف والأصحاب، لا أثر له!!.. ثم عرفت من أخت فتحي إنه هو الآخر لم يصل للسعودية والجميع يبحث عنه!!.

وفي مساء الليلة الثالثة وقبل منتصف الليل بقليل، وجدت -كابو- القهوجي يطرق بابها، وأبلغها بأن الأسطى سيد بالمستشفى العام بعنبر الحوادث، وقد اتصلت إدارتها بالقهوة لتبلغ أهله!.

هرعت للمستشفى وبرأسها تتصارع الحكايات والتخيلات!، ترى هل انتحر؟! ولو هذا صحيح فما سبب اختفاء فتحي؟! أم قد يكون حدث لهما حادثا بالتاكسي؟!.. ترى ما الذي حدث؟!!.

وصلت لعنبر الحوادث، ووجدت سيد على إحدى الآسرة نائما غير مصاب بأي جروح إلا ذاك الجرح الصغير بأسفل رأسه!!، راحت تتحسسه وتتفحصه بيدها كي تطمئن عليه، وتناديه ولكن من جاوبها كان الطبيب قائلا: - لن يرد عليك، فهو تحت تأثير حقنة مهدئة ومنومة، هل أنتِ زوجته؟؟ - نعم سيدي أنا زوجته وأم أولاده، بالله عليك طمئن قلبي عليه، ما الذي حدث له؟! وهل آتى وحده؟ ألم يكن معه أحد؟! - ليس لدي وقت لأحكي حكايات، لقد كتب له عمرا جديدا وجاءت معه جثة صديقه، احمدي الله لقد نجى بأعجوبة!!.

تركها غير مباليا بحالها، وكاد أن يخرج من العنبر لولا إنها تشبثت بذراعه متوسلة له أن يخبرها بما حدث قائلة: - أرجوك، أتوسل إليك قل لي ما حدث؟؟، وكيف مات فتحي؟!! - إذن اسمعي ولا تقاطعيني ليس لدي وقت، سائق التاكسي كان عضوا بعصابة لسرقة الأعضاء البشرية، وعندما ركبوا معه قام بتخديرهم وأخذهم لمكان مجهول تتم به عمليات السرقة؛ ولكن قبل ذلك تخضع الضحية لعدة فحوصات؛ حتى يتم تصنيف الأعضاء كي تباع. عندما خضع زوجك للتحاليل وعرفوا إنه حامل لفيروس C ضربه أحدهم على رأسه حتى فقد الوعي، ولم يفق إلا وهو مرمي بإحدى الطرق السريعة وبجواره جثة صديقه بعدما سرقت أعضاءه والناس ملتفين حولهم!.

لم ينتظر لترد وتركها وخرج من العنبر، ونظرت لزوجها غير مستوعبة لما سمعت، وارتمت على يده تقبلها وتبكي قائلة: حكمتك يا الله، سبحانك يا ربي، تبليه بالمرض ونسخط على قضاءك، ولكنك رحيم وعطوف، كما كان المرض سببا في ضياع أماله وأحلامه، هاهو السبب لعودته سالما لبيته وأولاده!!.

-تمت-

What next?

You can also bookmark this post using your favorite bookmarking service:

Related Posts by Categories