جريدة الصباح العربي ترحب بالزوار ... أنتم الآن في بيت المدّونين ... هنا الجروب الرسمي للجريدة على الفيس بوك .... لو عاوز تنشر معانا كل اللى عليك تبعت قصتك أو المقالة بتاعتك في رسالة على الميل أنتظرونا قريباً بالأسواق
الاثنين، 1 يونيو 2009

مسابقة القصة القصيرة  

أدهم

قصة قصيرة
مصطفى عنتر

خطاب قصير للغايه,فعليا جملتين لا اكثر,"ادهم ابنك , برجاء اصطحابه يوم كذا الساعه كذا من العنوان كذا "امضاء زوجتي السابقه.جملتين فعلا ولكن اثارهم كأثار الزلزال , يترك المدينه محطمه تبكي علي انقاضها دون ان تدرك ماذا حدث! لا اعتقد ان علماء الرياضيات قد توصلوا بعد لرقم يقترب من عدد الافكار والتسؤلات الدائره في ذهني الان تكاد تحرقه من سرعتها وغرابتها . كانت الساعه المحدده لأصطحاب ادهم هذا قد اقتربت والعنوان المذكور يحتاج بضع ساعات بالسياره للوصول اليه فتركت حياتي كلها خلفي وأخذت سيارتي وانطلقي في هذه الرحله الغريبه ...لأستعيد ابني... لأستعيد جزء من كياني ...جزء لم اكن اعلم بوجوده حتي لحظه استلامي هذا الخطاب ...حقا لم اكن اعلم ان لي ابن!! كيف ومتي ولماذا؟! اسئله اعلم يقيناً انها ستظل تدور هائمه في فضاء الغموض الي ان تقوم الساعه. لم يراودني الشك لحظه في صحه وصدق ما جاء بالخطاب وكونه ابني حقا ام لا ، فعلي الرغم من كونها زوجتي السابقه الا ان صدقها امر لا غبار عليه فأذا كانت قد قالت انه ابني فهو كذلك اذن! ومره اخري تدهشني نفسي التي بين جنبي..فلم ينشغل ذهني بأسئله تبدو منطقيه لأي انسان لم يختبر كلامي هذا عملياً..اسئله علي غرار كيف حدث ذلك؟؟ ولماذا لم تخبرني؟؟ وما الذي اتي به في هذا العنوان الذاهب انا اليه ؟؟والاهم اين هي امه و زوجتي السابقه؟؟ لم اهتم مطلقا بكل هذه الاسئله لوجود ما هو اهم ليشغل بالي وتفكيري ...كيف هو؟! كيف يبدو؟! ما لون عينيه؟! طويل ام نحيل الجسد ؟! أيعرفني؟! هل رأي صوره لي؟ ام انه لا يعرف ان اباه موجود علي قيد الحياه ؟أيعرف سبب وجوده في هذا المنزل الان؟ ولماذا انا قادم لأصطحابه ؟ هل سيحبني .....هل سيتقبلني؟؟أيقبل ان يذهب معي؟ هل سيدرك هذه المعاني من الاساس ام انه مازل طفلا ؟!! تباً!! انه طفلا بالفعل !! لقد احترق ذهني حقا ...يالله يا ولي الصابرين ثبتني يا رب ...تري هل هو خائف الان؟!! انتابني احساس غريب و موحش حين جال هذا الخاطر بذهني حتي ان عجله القياده اختلت في يدي وكدت ان اخرج عن الطريق!.......يا الهي ..هل من الممكن ان يكون خائف ؟؟ بالتأكيد هو خائف!! بعيدا عن امه ..بين غرباء ..ينتظر غريبا اخر يقال له اباه ليأخذه !.....وكيف يعرف هو انني لست مثل من كان عندهم ؟ أيعرف اصلا ما معني اباه؟؟ قد يكون الان يجلس مضطرباً خائفاً ينظر الي من حوله برهبه وهو ينتظر لا يعلم ماذا سيحدث....قد يكون يجلس في ركن يبكي مناديا علي امه التي يعلم الله وحده اين هي الان ولماذا فعلت ما فعلت ووضعتنا جميعا في هذا الوضع الصعب! هذا الوضع الذي يكاد يمزق قلبي تمزيقا او مزقه بالفعل!! استغفر الله العظيم ارحمني برحمتك يا رب....لقد تخطيت مرحله اني اكاد ان اجن لأن الجنون قد اصابني بالفعل!...حاولت ان اطمئن نفسي واطرد هذه الخواطر الشيطانيه من رأسي واستعذت بالله من الشيطان الرجيم ورميت همومي وحمولي عليه وعزمت وتوكلت وحاولت ان ابحث عن بعض الافكار الايجابيه وسط هذا الكم اللانهائي من الافكار والخواطر في رأسي.... أمن الممكن ان يكون ينتظرني بفرحه ؟ولهفه؟ من ادراني انه لا يعلم بوجودي ؟ربما كان يعلم! ربما اخبرته امه! ربما كان ينتظر هذه اللحظه اكثر مني؟ينتظرني انا!!.....اباه!! ليناديني بابا ...تسللت ابتسامه واسعه الي وجهي واطمئن قلبي لهذه الخواطر ...بالفعل من الممكن ان يكون يعرفني ويحتاج الي الان!! يحتلج الي ان ينهي حرمانه من اباه!! يحتاج قدوه ومثل صالح ...يحتـــــــ......... يحتاج ماذا؟!!! انه طفل ..يبلغ من العمر ثلاث سنوات وسبعه شهور علي الاكثر ...هل سيفهم حرمان وقدوه وما الي ذلك ؟؟! لقد جننت حقا والمشكله اني انسي ذلك!! السؤال اذن اذا كان يبلغ من العمر ما يبلغ فما مستوي ادراكه؟!ما هو المستوي المفترض من الحوار بيننا كي يفهمني ؟ هل يجـــــــ.............. يالله ..ها هو ذا !!لقد مرت الساعات ولم اكد اشعر بها وها انا ذا قد وصلت للعنوان المنشود....ها انا ذا امام المنزل المنتظر .,...هنا امامي ينتظرني ما قد غير حياتي بالفعل من قبل ان اراه!! هنا في هذا المنزل يتنظرني هو !! ادهم ابني!!!
لا ادري حقا كيف صففت السياره وترجلت منها ومشيت الي باب المنزل ..كل ما ادركه الان انني اقف امام الباب منتظرا وانا ارتجف! حقا ارتجف! واثناء رحله يدي الي الجرس الانيق المعلق بجوار المدخل تذكرت مدي صحه الاقاويل والاراء القائله بمدي غرور الانسان وجهله !! فها هو واحد منهم تأتيه بضع كلمات تغير مسار حياته وتجعله يرتجف امام الباب كتلميذ مذنب يقف امام باب ناظر ألمدرسه! صوت الجرس ينطلق ..الباب ينفتح .. نظره ممن في الداخل ..ثم حقيبه في يساري وطفل صغير في يميني ..وينغلق الباب!!!!!!!!!!!!!!!!
هل تخيلت يوما انك واقف في بدايه طريق ما لا تعلم نهايته وخلفك ظلام حالك ؟؟ انا لا احتاج الي مثل هذا التخيل ...فأنا في هذه البدايه الان وفي يدي طفل صغير!! تبدو كلمه ماذا افعل الان مبتذله جدا !! حقا ماذا يُنتظر مني ان افعل الان؟!! بدأت بالبسمله والمعوذتين وسوره الاخلاص ...اخذت نفسا عميقا وقررت ان ابدا اول خطوه واهم خطوه ...ان اراه!! نزلت علي ركبتي لأصبح في مستوي طوله .. ونظرت الي وجه لأول مره ....ياااااااااااااالله!! ..ما هذا الملاك !يا الهي ! هل يمكن ان يكون هذا البدر ابني؟...ابيض البشره هو ، عيناه واسعتين ، لا يخالط سوادهما لون اخر ، انف دقيق وفم صغير باسم ، اذنان يكادا الا يظهرا لولا ان بعض الحمره لونتهما ، شعره ناعم كخيوط الحرير ينسدل علي وجهه بطول جبينه الواسع ليلتقي الاسود بالابيض كما يلتقي الصبح بالليل لحظه الشروق !
يالله ...انه في غايه الجمال ..اجمل من اجمل طفل رأيته او تخيلته ...كأطفال الافلام الامريكيه ...لااااا بل اجمل ...انه كما وصف القرآن سيدنا يوسف...نعم هذا هو !! كنت اظن اني خبير في لغه العيون ولكني اعرف الان اني كنت مخطئا تماماً ، الان اعلن جهلي امام هاتين العينين ، لن اتحدث عن البراءه الساكنه عيناه ..لن اذكر الحيويه الطفوليه التي تجدها في عيون كل الصغار ، لن اصف كل هذا لأني وجدت مصدرهما ونبعهما الصافي اخيرا ! اقل ما توصف بيه هاتين العينين هو الجمال ! لا اعرف كم ظللت انظر فيهما ولهما ، كانتا كالبئر العميق المظلم ، لا تري داخله شيء ولكنه مليء بالغموض الذي يجذبك اليه جذباً كأنك مسحور ، عيناه تشع طمأنينه و سكينه تحيط بالمكان وتحميه من اي شيطان رجيم ، اكاد ان اقسم انهما تطلقان طاقه غير مرئيه تجدد روحي الان وتنقيها وترتقي بها !
اقسم فعلا اني حين نظرت الي هاتين العينين قد ارتقيت الي مكان افضل !! بالطبع هرب الكلام من علي لساني كما يهرب السمان حين يسمع طلقه الصياد ، لم تسعفني القريحه بفعل ما لأقوم به ...فما كان مني الا ان اطلقت تنهيده ظننت انها كافيه لتبقي الصيف فصل دائما علي الارض لقرن علي الاقل ! ونهضت ... يحتضن دميته بيمينه واحمل انا حقيبته بيساري لتتشابك يميني ويسراه لأول مره ، كانت عقده ايدينا علي الرغم من الاختلاف في الحجم والقوه تبدو وكأنها تشكل نسيج حي واحد ، تبدو وكانها وحده واحده وليست اثنتين ، كانت تبدو وكأنها العروه الوثقي التي لا انفصام لها!!صدقوا هذا او لا ولكني شعرت بالأمان والخوف معا حين تشابكت ايدينا ! ظللت حائرا في تناقضي هذا حتي وصلنا الي السياره فأنفصلت ايدينا لأشعر وكان احد قد نزع جزء من احشائي كما فعلت هند بكبد حمزه !! يالله ...لحظه عاديه تحدث في اليوم ملايين المرات حين يترك الاب يد ابنه ، ولكن ها هنا الحاله مختلفه ....خواء موحش وانفباض كئيب اجتاحني حين ترك ادهم يدي ! ورغم كونها بمقايس الزمن لحظات الا انها في حكم الحب والقلوب دهور!! لم ترتد لي روحي واتزاني الا حين جلست في السياره واستقر ادهم الي جواري ....هل من الممكن ان اكون قد احببت هذا الصغير بهذه الدرجه في هذه الحظات الاقصر من ان تكون قصيره؟!! العجيب انه حتي الان لم نتبادل انا وهو كلمه واحده !!ولكم تبدوا هذه المشكله في غايه السهوله في نظر اي انسان ولكنها بالنسبه لي الان اصعب قضايا العمر !! المشكله الحقيقيه هي انني لا اعرف!! لا اعرف ماذا علي ان افعل او اقول او حتي بماذا اشعر !لكم كان التواصل مع الاطفال يبدو سهلا بالنسبه لي ولكني اعلن جهلي وغبائي للمره الثانيه ... ان اي اب فالدنيا يتعلم كبف بتواصل مع ابنه بالفطره فهو يراه وهو يتكون في رحم امه ويراه يولد امام عينيه ويكبر امامه ايضا ..اي اب يمارس ابوته ويستوعبها بالتدريج ..اما انا فلاااا!!!! انا كمن قيل له ان الاخوان رايت قد اخترعا الطائره ثم وضعوني في كابينه قياده (اير باص) طالبين مني ان اقودها !!لقد انتزع مني ثلاث سنوات ونصف كان من المفترض ان تكون سنوات تعليمي وتاهيلي كأب !! وها انا ذا اقف امام اصع امتحان في تاريخي كحفيد لأدم !! الأولويه الان لسؤال مهم جدا ..ما هي قدره عقله علي الاستيعاب وما هم مستوي الحوار والتعامل اللمفترض بيننا؟!
اذا بكي الان فماذا سأفعل ؟ هل ساصرخ في وجه ام سأحتضنه واربت علي ظهره ؟ ماذا ان طلب شيئا ..هل سأهرول كما فعلت هاجر لألبيه ام سأتمهل وافكر في طلبه؟!ماذا اذا اذاه احد؟!! هل سأكتفي فقط بقتله ام ساقوم بالتمثيل بجثته ايضا ؟! كنا نجلس في السياره والصمت يغلفنا وكأننا اثنين بالغين في طريقهم الي اداء واجب العزاء !! حقا كان يبدو كرجل راشد بالع وهو يجلس بجوراي علي الرغم من احتاضنه لدميته ..تنهيده اخري تزيد من عمر الصيف قرن اخر لأعود انظر الي الطريق وانا لا اعرف الي اين اتجه ....تتمحور حياتي كلها الان في كيفيه فتح حوار مع هذا الادهم الذي نشر الفوضي في حياتي كما ينشر اي طفل اوراق عمل ابيه في الشارع متصورا انه يري أمامه سرب من عصافير الجنه!! كان الضيق والعصبيه قد بدئا يتسربا الي من عجزي المؤلم هذا .. كانت العصبية والغيظ والأفكار الشيطانية تتجمع في بؤره تفكيري كم تتجمع الغيوم في السماء في بدايه يوم عاصف مطير ....كنت علي شفا هوه ما انجاني الله منها اذ شعرت بشيئاً يهز ذراعي برفق وصوت جميل دافيء كصوت سيدنا داود يأتيني من جوراي قائلاً :

"بابا .....بعد اذنك عايز اشرب."
لتبتسم الدنيا لي.
تمت

What next?

You can also bookmark this post using your favorite bookmarking service:

Related Posts by Categories