جريدة الصباح العربي ترحب بالزوار ... أنتم الآن في بيت المدّونين ... هنا الجروب الرسمي للجريدة على الفيس بوك .... لو عاوز تنشر معانا كل اللى عليك تبعت قصتك أو المقالة بتاعتك في رسالة على الميل أنتظرونا قريباً بالأسواق
الأحد، 31 مايو 2009

مسابقة القصة القصيرة  

العهد المفقود

قصة قصيرة

ماهر طلبة

العهد المفقود

التكوين

ابدأ رحلة تكوينى فى بطن الام ما بين الجلد وبين العظم ، يسحقنى ضيق المكان ... صعوبة الحركة .. الهدوء الشامل يحيط بى ، لا يشوبه الا صوت سريان الدم الصديق الوحيد .. أهرب بالنوم .. يشتد بى الجوع .. أصحو أرتشف الأكل أزداد حجما .. ينتفخ البطن لكن وبرغم زيادة حجم البطن يسحقنى ضيق المكان .. ظلام يحاصرنى .. يتسلل الملل الى نفسى .. أتثاءب وأنام ....

بمرور الوقت اعتاد الوحدة .. أخلق – من ظلماتى - احلام وردية .. استعذب استرخاءة النوم ...

الخروج

1-

اصحو فزعا .. تتزايد من حولى الحركة .. اعمل على حفظ توازنى .. تمسك بى يد .. تجذبنى .. أتشبث .. اتضرع للرب ..

( انقذنى من عدوى القوى ومن مبغضى لأنهم الأقوى منى )

ابذل آخر ما فى استطاعتى .. أنزلق الى الخارج ...

" ارفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارتفعن أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد "

(من هو هذا ملك المجد ؟!!)

2-

أبكى رعبا .. ضوء غامر يفقدنى الرؤية فأصير ضريرا .. أدخل هذا العالم عاجزا .. ألبس أشياء عدة تخنقنى .. تتبادلنى الأيدى .. ( مازال الفزع يتملكنى ) .. السرير هو المحطة الأخيرة لى ..أحس الاستقرار .. أحن الى النوم ، الى عالمى الآخر بأحلامه الوردية .. أغفو حتى يقرصنى الجوع .. أصحو .. (الظلام ) ... لكن اين صوت سريان الدم ؟!... أسمع خليطا من الأصوات .. (يا حلمى المفزع ) ... أصرخ .. يجرى دمعى من عينى .. أغرق فى بحر المياه الدافئة .. يد ترفعنى ، تلقمنى الثدى .. أشعر بالدفء واستعيد الهدوء ...

فترات طويلة مضت .. تألفت مع عالمى الجديد .. النوم وسط الضوضاء .. البكاء طلبا للطعام والدفء والامان .. عادت لى من جديد حاسة البصر ..المح حركات لا افهمها .. اشارات تثير لدى الضحك ، اشارات تثير لدى الفزع .. صرت اضحك وافزع ...

( مازلت احلم بالتخلص من الضيق المحيط بى )... حجرة وحيدة .. مناظر تثير الكأبة فى النفس .. أربعة على سرير .. فرص الحركة منقرضة ... وضع الجسد غير مريح .

3-

منعت امى عنى الثدى .. أصرخ .. (أطلب حقى ) .. لا تسمع لصراخى .. يقتلنى الجوع ..آاكل ما تمتد اليه يدى .. اربعة ايدى فى طبق واحد .. تحجز يدى فى الطبق .. (أطلب الخلاص )... انفلتت يدى فائزة بالقمة .. يساعدون فى اطعامى .. ( صاروا يقوموا بالنسبة لى بوظيفة الدم ، لكنى مازلت أحن الى وشيشه الى دفئه فملابسى تقتلنى بردا وعفونة )...

4-

كبرت كثيرا .. عودت على التنافس .. اللقمة خلف اللقمة .. صارت ليدى سرعة أياديهم .. صار لى أصدقاء ، اللعاب ، صرت أعشق أصواتا غير صوت الدم .. تحول الدم فى نفسى شيئا بغيضا .. صار لونه لا يثير فى نفسى سوى التقزز ورائحته تجعلنى أتقيأ ...

زاد حجم الجسم .. تزايد الاحساس بالضيق .. أجسامنا تنمو فماذا لا تنمو أشياءنا بنفس قانون النماء ؟؟...

5-

مدرستى مثل حجرتى ... لا أفهم شيئا ، ضاق رأسى بما فيه .. ضقت بالمدرسة ، بالفصل ، بالدكة ... صفوف .. صفوف .. صفوف .. ( كم أتعاطف معك يا سمك السردين )...

إنتقالاتى علب آخرى للسردين ..أنمو ... نفس الحجرة .. آه .. لو أن اشياءنا تنمو ونحن نبقى على حالنا لتغير وجه الدنيا ...

6-

أدخل الآن طورا جديدا ... (سقطة جديدة ) .. قل عدد النائمين على السرير .. صرنا اثنين ..أحس أن سريرنا بحر .. لولا ضيق الحجرة وضيق ذات اليد ...

الايام تمر من ضيق الى ضيق .. عمل... مواصلات .... حجرات ... حجرات .. حجرات ...

7-

اليوم زاد عدد النائمين على السرير .. يبكى كثيرا .. (ربما يحن الى صوت الدم ) .. غدا سوف تكرهه .. اريد الحركة .. أعجز .. هل أعجزته هو الآخر الحركة ؟... (أحلم بالفراغ ) .. لما يبكى هكذا .. الا يكفى ما سبب لنا من ضيق .. لا أعرف هل كنت اريده ؟... لا ادرى ... ( ترى هل ثار فى قلب ابى يوم مولدى مثل ذلك التساؤل )

8-

روتين حياتى يعود الى الانتظام ، صرت لا امل بكاء الوليد .. صار لى الفرحة الوحيدة والسعادة الوحيدة فى هذه الدنيا الكئيبة .. ينمو .. يزداد الضيق .. يمر بكل مراحلى السابقة .. (هل يشعر بمثل ما كنت أشعر به ؟)...

9-

مازال العمر يمر ومن على السرير يتزايدون والحجرة – لعنة الله على الحجرة – على حالها .. صار الأمل الباقى أن يتغمدنا الله برحمته ..أن يعطينا فى الآخرة ما لم نناله فى الدنيا .. أن يسكننا قصرا من قصورجنته .. ولما لا ؟... قال لى امام مسجدنا حين أثرت امامه المشكلة ..

- أن الجنة سوف يرثها الفقراء .. لن يدخلها غنى .. أن الجنة ليست حجرات بل قصور ، مهما قل عمل الفقير سيأخذ قصرا ....

سعدت كثيرا .. أليست الحجرة والوظيفة والمواصلات .. دليلا على فقرى .. يومها نمت كما لم أنم من قبل عادت الىّ من جديد أحلامى الوردية تلك التى كانت قد انمحت من ذاكرتى... جست جنبات القصر .. عاشرت نسائى الحور .. وضحكت ... ضحكت حتى القى بى السرير على وجهى فوق ارضية الحجرة ...فنزفت دم ..

10-

لم ابرح الاربعين لكنى أحس انى فى اواخر عمرى اواجه الحياة من حجرتى الضيقة وحدى رغم امتلاء السرير ...

الخروج 2

1-

على سريرى نائم .. غير قادر على الحركة

قال الطبييب : أن زيادة أعباء الحياة تؤدى الى زيادة ضغط الدم وأن زيادة ضغط الدم أدت به الى حالته الراهنة

قال الزوار : شاب فى ريعان الشباب لم يتعدى الخامسة والاربعين من عمره لكنه يكتم فى داخلة ولا يخرج ما بنفسه ...

قلت لنفسى : ليتنى قادر على الحركة لاتقلب .. فلا أحد ينام اليوم الى جوارى .. فلى السرير ولهم اليوم البلاط ..

تزداد حالتى سوء

قال الطبيب : إن ضغطه لم يهبط بعد وإنه رغم كل ما أعطى من دواء مازال الضغط يرتفع .. وتساءل عما تسبب فى إرتفاع ضغط دمى .. وامتعض وامر بزيادة جرعة الدواء

قال الزوار : إنه بلاء من الله .. فالله يختبر عبده المؤمن ليعرف مدى ايمانه .. وقصوا على سمعى قصة أيوب ..

قلت لنفسى ..: لماذا لا يختبر الله سوى عباده المؤمنين ؟ .. ألا تعتبر حياتنا فى كل هذا الضيق اختبارا كافيا ؟.. الايعتبر بطن الام والسرير والحجرة والمدرسة والمواصلات والوظيفة اختبارات ؟!!!.... فلماذا يزداد اختبار الله لنا !؟ .....

لكنى أصبر ...(طمعا فى القصر )

فقدت اليوم حاسة النطق

قال الطبيب : أن وجود المريض فى بيئة غير صحية لا يساعد على شفائه ونصح بنقلى الى مستشفى ...

قال الزوار : إن مستشفيات هذه الايام لا تصلح لعلاج الانسان وأن الاهمال هو العادة السائدة فيها ، ثم قص احدهم قصة الطبيب الذى نسى المقص فى بطن المريض والاخر الذى نسى الفوطه وتوالت الحكايات ، لكنهم نصحوا فى نهاية الامر بتنفيذ مشورة الاطباء

قلت لنفسى : .. إذا كان الاطباء ينسون أدوات الجراحة فى بطون المرضى ألا يجوز أن ينسوا فى يوم ما المرضى فيموتوا ...

واليوم فقدت حاسة السمع ..

قال الطبيب : إن الاهمال عند الشعب قد بلغ منتهاه ، فالرجل على وشك ان يموت واهله لا يهتمون .. إن تأخير نقل المريض الى المستشفى سيؤدى الى عواقب وخيمة ونصح بنقلى فورا ..

قال الزوار للطبيب : إنه لا يوجد سرير خالى وإننا لم نتوانى فى البحث وانه إن كان عنده ما يفيد من هذه الناحية سيكون ذلك محل شكر له

امتعض الطبيب وأمر بتكرار الدواء ومنع الزيارة ...

قلت لنفسى : فيما يتحدثون ، لم أعد أسمع شيئا .. حركات شفاههم تنبأنى .. الآن اوشك ان ارجع الى رحم الام ... ما أبهى أحلامى الوردية ...

2-

غسلت ... لا اعرف سرا لذلك ،لكن ربما لاننى سأصبح من سكان القصور ، ذلك هو التفسير الوحيد ، وعلى ايه حال فأنا لن أسمح لنفسى بأن أدخل قصرى على نسائى الحور وانا لست نظيفا ، أوضع فى صندوق ضيق جدا ، تعجزنى الحركة .. (نسيت انى ميت ) .. أرفع على الاعناق ... (لو يخرج الان صوتى لهتفت ، ليحيا سكان قصور الجنة ولشكرت الله ولعنت علب السردين ) .. أدخل فى قبرى (الضيق ) ... منظر كئيب لكن ليس يهم فقد سمعت الامام يقول

- انه بمجرد أن يغلق باب القبر سوف يتسع القبر (الضيق ) وينار ويحاسب الميت حساب القبر ..."فأما من ثقلت موازينه فهو فى عيشة راضية وأما من خفت موازينه .... "

أثق أنى من أصحاب الموازيين الثقيلة .. ولم لا .. ألم يختبرنى الله .. ألست كأيوب أصابنى الفقر والمرض فلما لا تثقل موازينى !...

ها هو الباب يغلق .. القبر ضيق ومعتم .. ها هى الاصوات تأخذ فى الخفوت مبتعدة .. القبر ضيق ومعتم ... صمت عميق ... أحس انى قد عدت من جديد لرحم الام .. لكن اين صوت الدم ؟!... أين الملكان ؟!!!!....

ماهر طلبة

What next?

You can also bookmark this post using your favorite bookmarking service:

Related Posts by Categories