جريدة الصباح العربي ترحب بالزوار ... أنتم الآن في بيت المدّونين ... هنا الجروب الرسمي للجريدة على الفيس بوك .... لو عاوز تنشر معانا كل اللى عليك تبعت قصتك أو المقالة بتاعتك في رسالة على الميل أنتظرونا قريباً بالأسواق
الاثنين، 1 يونيو 2009

مسابقة القصة القصيرة  

ذات الشريطة

قصة قصيرة
ميسرة الهادي

كان يوماً شاقاً.. أعترف بهذا..

أعتقد أن دشاً دافئاً سيزيل عن عضلاتي المنهكة كل غبار الإرهاق..

أُخرج سلسلة مفاتيحي من جيبي في تعب، وأُقلب فيها قليلاً حتى أجد – أخيراً – مفتاح الشقة، فأضع حقيبة يدي جواري، وأُدخل المفتاح في ثقب الباب، ويصيبني خدرٌ لذيذ حين أسمع صوت تلك (التكة) المميزة لفتح قفل الباب..

إن جسدي يدرك جيداً أن هذه (التكة) هي جرس بداية فترة الراحة والاسترخاء بعد تعب النهار، والأهم من هذا كله أن قلبي – أخيراً – سيخفق من جديد..

أُغلق الباب خلفي محاولاً ألا يصدر عنه أي صوت، ثم أتجه إلى غرفة النوم وأُغير ثيابي في هدوءٍ شديد وقد نسيت أمر ذلك الدش الدافئ تماماً، وفي خفة أتسلل إلى المطبخ حيث تقف زوجتي الحبيبة..

أراها تنظر من نافذة المطبخ الواسعة نحو السماء الزرقاء تتأمل شمس الغروب، ترتدي فستانها الأبيض الذي يزيدها جمالاً ورقة، وحول خصرها تلف شريطة حمراء..

يا الله.. لو رأتها (فينوس) لغارت منها..

الآن يدق قلبي من جديد وقد عادت إليه الحياة، وهاهي الدماء تندفع في جسدي فترويه بعدما جفت أوردته وتشققت شرايينه، وها هما رئتاي تشهقان في عنف وقد استنشقتا الأكسجين أخيراً، ولا أحدثكم عن فمي فقد عرف طريق الابتسام، أما عيناي فها قد رأيا النور من جديد..

بدونها تقف حياتي تماماً، أصبح جسداً بلا روح، لا أستطيع التفكير، لا أجسر على الكلام لأني لو تكلمت لن أنطق إلا اسمها، بالكاد أتنفس.. وأؤمن أني أتنفس فقط لأنهي العمل وأعود إلى البيت مرة أخرى فأسترد حياتي وقوتي برؤياها..

تشعر بي ملاكي فتلتفت إلىَّ وتبتسم ابتسامة زادتها بهاءً ونوراً، واحمَّرت لها وجنتاها في حياء حتى أنني تساءلت في عقلي: أيهما أشدُ حمرةً.. وجنتاها أم شريطتها؟!

أتأملها لحظات وأشعر بقلبي يخفق في حب، وأكاد أقفز نحوها وأحتضنها في شدة، لكني أعدل عن ذلك حين أرى تلك الأطباق المتسخة التي تناولت فيها إفطاري صباحاً ما زالت على منضدة المطبخ..

أرسم على وجهي تعبيراً مخيفاً مضحكاً وأقول مداعباً إياها:

- ممكن أعرف بقى ليه مغسلتيش الأطباق لحد دلوقتي؟!

تتسع ابتسامتها أكثر وتتحرك نحو المنضدة، فأُسرع نحوها وأقول في حنان:

- لا لا لا.. أنا بهزر معاكي بس.. متتعبيش نفسك.. أنا هشيلهم وأغسلهم..

تظل ابتسامتها تحلق فوق شفتيها وأنا أحمل الأطباق وأغسلها في سعادة قبل أن أقول لها:

- عمرك شفتي ملكة تقف تغسل المواعين؟! طبعاً لأ.. يبقى ازاي انتي عايزة تغسليها؟!

تبتسم وتتأملني في حنان فأشعر أن قلبي يخفق في عنف شديد وأكاد أخر ساقطاً فاقداً وعيي من فرط سعادتي، لكني أتماسك وأُنهي غسيل الأطباق، ثم أملأ براد الشاي بالماء وأقول لها مبتسماً:

- إيه رأيك لو تسبقيني على البلكونة وأنا هجيب الشاي وأحصلك؟!

تومئ برأسها في رقة شديدة، وأشم ريحها الطيبة وهى تخرج من المطبخ متجهةً إلى الشرفة..

أقف أمام براد الشاي في صمت، أتأمل في الماء الذي يحتشد مستعداً للقيام بثورةٍ عظيمة ليخرج من البراد، والنيران تحبسه داخله بقوتها وترغمه على البقاء، حتى تمر دقيقة أو أكثر قليلاً فتفشل النيران في هزيمة الماء مرةً أخرى، ويخرج من البراد غاضباً ثائراً فيصل إلى النيران فيطفئها منتقماً مُحدثاً صوتاً خفيفاً كحفيف الأشجار..

أصب الماء في كوبين فيختلط بالسكر وحبيبات الشاي التي تصرخ من شدة سخونته وتحاول الصعود إلى فوهة الكوب كي تنقذ نفسها، لكن تمنعها الملعقة الفضية التي أضعها بالكوب مُقلباً ذلك الخليط، ثم أضع الكوبين فوق (صينية) وأحملها متجهاً نحو الشرفة، ثم أضعها على المنضدة أمام حبيبتي الجالسة تتأمل السماء في شرود..

ولم أشأ أن أزعجها فاتجهت في صمتٍ حذر إلى جهاز التسجيل، ووضعت فيه شريطاً قديماً (لأم كلثوم) تحبه زوجتي، ثم ضغطت على زر التشغيل..

أنظر نحوها فأراها ما زالت شاردة، فأرفع الصوت أكثر وأكثر حتى تنتبه إلىَّ وتلتفت مبتسمة.. فأبتسم لها وأنا أذهب إلى الشرفة وأجلس على الكرسي المجاور لكرسيها وأقول:

- بتحبي انتي الأغنية دي أنا عارف..

تتسع ابتسامتها في صمت، فأتأملها قليلاً، ثم أرفع كوب الشاي – من فوق منضدة الشرفة – إلى شفتيَّ لأرشف منه رشفة بطيئة تتناسب مع صوت (أم كلثوم) الهادئ المريح..

وتحين مني التفاتة إلى صورة زوجتي المعلقة على الحائط خلفي، ودون إرادة مني تروح عيني نحو تلك الشريطة السوداء المثبتة على الجانب الأيمن العلوي للصورة..

ثم أعود ببصري نحو الكرسي الفارغ جواري، وكوب الشاي الممتلئ المستقر في الصينية جوار كوبي ولم تطله يد والدخان يتصاعد منه وقد طفق يبرد....

تمت

What next?

You can also bookmark this post using your favorite bookmarking service:

Related Posts by Categories